تتّجه الأنظار غدًا السبت عند الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة بتوقيت تونس إلى ملعب البيت حيث يلتقي المنتخب التونسي لكرة القدم بنظيره النمساوي في إطار منافسات الدور السادس عشر من مونديال قطر 2025. مباراة ينتظرها الشارع الرياضي التونسي بشغف كبير، لما تحمله من رهانات كروية وتاريخية، ولأنها تأتي بعد مسار متأرجح لنسور قرطاج في الدور الأول، مقابل أداء قوي جدا للمنتخب النمساوي الذي تصدّر مجموعته بالعلامة الكاملة.
دخل المنتخب التونسي البطولة بطموحات كبيرة، خصوصًا بعد التحضيرات المكثفة التي خاضها قبل انطلاق المسابقة، غير أنّ مردوده في الدور الأول عرف بعض التذبذب رغم البداية الموفقة. فقد حقّق نسور قرطاج فوزًا عريضًا على منتخب فيجي بنتيجة 6-0، فوز أعاد الثقة للجماهير ومنح اللاعبين دفعة معنوية كبيرة. لكن سرعان ما اصطدم المنتخب بواقع مختلف حين واجه منتخبي الأرجنتين وبلجيكا، وهما من القوى الكروية الصاعدة في المنافسة. خسر التونسيون أمام الأرجنتين 0-1 في مباراة ظهر فيها المنتخب بوجه دفاعي محترم لكنه افتقر للنجاعة الهجومية. ثم جاءت المواجهة الثالثة أمام بلجيكا لتنتهي بخسارة ثانية 0-2، نتيجة وضعت الفريق في موقف صعب، لكن حسابات ترتيب أفضل أصحاب المركز الثالث جاءت لصالحه ومنحته بطاقة العبور إلى الدور الثاني.
وبرغم هذه الهزائم، فإن المتتبعين يرون أن المنتخب التونسي يملك من المقومات ما يسمح له بالذهاب أبعد في البطولة. فالخط الدفاعي أثبت قدرة على الصمود في وجه المنتخبات الكبرى، وحراسة المرمى كانت في مستوى عالٍ، فيما ينتظر الجمهور أن يستعيد خط الهجوم فعاليته التي ظهر بها أمام فيجي. كما يعوّل الإطار الفني على خبرة بعض اللاعبين المحترفين في الدوريات الأوروبية وقدرتهم على التعامل مع مباريات الإقصاء المباشر التي تُحسم غالبًا بتفاصيل صغيرة.
على الجهة المقابلة، يدخل المنتخب النمساوي مباراة الغد بروح المنتصر الواثق. فقد قدّم عروضًا قوية في الدور الأول جعلته يتصدر المجموعة الثانية عشرة برصيد تسع نقاط كاملة بعد ثلاثة انتصارات مقنعة. بدأ مساره بفوز مهم على السعودية 1-0، مباراة أظهرت التنظيم التكتيكي الكبير للفريق. ثم واصل تألقه بفوز عريض على مالي 3-0، قبل أن يختتم الدور الأول بانتصار ثالث على نيوزيلندا 4-1، نتيجة أكدت قوة خطه الهجومي وقدرته على استغلال كل المساحات المتاحة.
ما يميز المنتخب النمساوي في هذه النسخة هو توازنه بين الدفاع والهجوم. فهو فريق منظم للغاية، يعتمد على الضغط العالي وعلى الانتقال السريع من الدفاع إلى الهجوم، مع جناحين يمتازان بالسرعة والاختراق. هذا الأسلوب قد يربك المنتخب التونسي إن لم يكن لاعبوه في أفضل حالاتهم الذهنية والبدنية. ومع ذلك، فإن مباريات الأدوار الإقصائية تختلف تمامًا عن مواجهات المجموعات، إذ تلعب فيها الخبرة والروح الجماعية دورًا كبيرًا، وقد أثبتت تونس تاريخيًا قدرتها على مفاجأة منافسين أقوياء في مثل هذه المناسبات.
من ناحية أخرى، تبدو معنويات المنتخب التونسي مرتفعة بعد أن تجاوز مرحلة المجموعات رغم كل الصعاب، وهو ما قد يُشكّل دافعًا إضافيًا لتقديم مباراة قوية أمام النمسا. وقد أكّد المدرب الوطني في تصريحات قبل اللقاء أن اللاعبين واعون بحجم المسؤولية وأنهم مستعدون لتقديم كل ما لديهم من أجل بلوغ ربع النهائي. كما شدد على ضرورة التركيز منذ الدقائق الأولى وعدم ترك مساحات للمنافس قد يستغلها لفرض أسلوب لعبه.
الجمهور التونسي بدوره يعيش حالة من الترقب والأمل. فالتأهل إلى الدور الثاني أعاد إشعال الحلم، ومباراة النمسا تمثل فرصة حقيقية لمواصلة المشوار في بطولة أظهرت إلى حد الآن الكثير من المفاجآت. ولن يكون الفوز مهمة مستحيلة إن نجح المنتخب في اللعب بذكاء والاعتماد على نقاط قوته، خصوصًا في الكرات الثابتة والهجمات المرتدة.
في النهاية، تبدو المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات. فالنمسا تدخل بثقة كبيرة وتونس تدخل برغبة أكبر في إثبات الذات. وبين هذا وذاك، ستكون التفاصيل الصغيرة، وربما غلطة واحدة أو لحظة إلهام فردي، هي ما سيحسم بطاقة العبور إلى الدور ربع النهائي. ما هو مؤكد أن الجماهير تنتظر مباراة مثيرة تجمع بين طموح نسور قرطاج وصلابة المنتخب النمساوي، في أمسية كروية قد تبقى محفورة في ذاكرة المونديال.